الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة بعد أن حُصّل ما في «الصناديق»، هل تخرج تونس من الضيق؟

نشر في  29 أكتوبر 2014  (18:12)

أسدل الستار يوم الأحد الماضي على الانتخابات التشريعية التي شهدتها بلادنا، واختار التونسيون من يمثّلهم في مجلس الشعب.. استمعنا في الأيام التي عقبت عملية التصويت ولازلنا نستمع إلى مختلف التصريحات وردود الأفعال، بين مهلّل مبارك وبين منزعج مندهش من النتائج التي آلت إليها هذه الانتخابات، تعددت أيضا التعاليق والقراءات.. اختلفت التقييمات والاستنتاجات، لكن في النهاية حُصّل ما في صناديق الاقتراع وقال الشعب كلمته.
هذه الانتخابات كانت شبيهة جدا بلعبة كرة القدم، فيها خاسر ومنتصر وفيها راسب ومنحدر، ولكن في كل الأحوال كان الإنتصار الكبير لتونس التي تمكنت بفضل شعبها من إنجاح هذه العملية الانتخابية من خلال التوافد بأعداد محترمة نسبيا على مكاتب الإقتراع دون خوف او تردد وتلبية لنداء الواجب وإدراكا لقداسة هذا الحق تجاه الوطن وتجاه المستقبل والأجيال القادمة. لكن هذه الأعداد المحترمة مقارنة بعدد الناخبين المسجلين غابت عنها شريحة هامة من المجتمع بشكل لافت للانتباه، غاب عنها الشباب الذي سئم الوضع وفقد ثقته في السياسيين، وبعث بغيابه اللافت برسالة مضمونة الوصول للأحزاب السياسية ومن يمثلها مفادها أنه يئس وملّ من كذب بعضهم وغدر بعضهم الآخر وعدم إيفاء أغلبهم بوعودهم..
ولئن كان الشباب يمثّل شريحة هامة من المجتمع فإن البقية الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع كانوا يحملون نفس الهموم تقريبا وكانت العملية الانتخابية بمثابة «انتقام» من أحزاب تكلّمت دون أن تنجز وتشدّقت بالثورة دون أن تحقق ولو جزءا صغيرا من مطالبها واستحقاقاتها، لذلك جاءت نتائج الانتخابات لتعلن عن اندثار شخصيات ومن وراءها أحزاب كانت تلعب في الماضي القريب أدوارا ريادية في الساحة السياسية، بسبب الأخطاء التي ارتكبتها وعدم التزامها بما تعهدت به فذابت مثلما يذوب الملح في الطعام واختفت كأنها لم تكن موجودة من قبل.. هي دروس وعبر، وهي تجارب ومعان ورسائل مشفّرة تفيد بأن السلطة مسؤولية خطيرة وبأن الكراسي لا يمكن تأمينها والحفاظ عليها بالشعارات الفضفاضة الرنانة، وبأنه « لو دامت لغيرك لما آلت اليك» وبأن سنّة الحياة تقتضي التداول..
لقد ثبت اليوم من خلال النتائج الأولية للانتخابات أن تونس في حاجة إلى التوافق، وبالتالي لن تُحكم سوى بالتوافق في مرحلة حساسة ودقيقة تتطلّب توفر مناخ سياسي واجتماعي سليم لقيادة البلاد نحو شاطئ النجاة، وبالتالي يمثل التوافق بين الأحزاب السياسية التونسية الحل الأمثل والوحيد للوصول الى تفاهم مشترك وحقيقي لمعظم مشكلات البلاد العالقة باعتباره احد الاشكال الاكثر ملائمة لتونس اليوم، تونس المثقلة بتركات وسياسات فاشلة مترهلة.
لقد خلّفت التداعيات والأخطاء السياسية التي شهدتها وعاشتها بلادنا في السنوات الأخيرة اكثر من فجوة في مفاصل الحياة، فتفاقمت بذلك المشاكل على جميع الأصعدة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية.. مشاكل دمّرت أعصاب الناس وحرقتها، وهي تتطلب توفر العديد من الشروط لإيجاد الحلول الناجعة لها، ومن بينها وأهمها وعلى رأسها ترتيب البيت التونسي وتصفية القلوب وتوحيد الصفوف والتحلّي بالروح الوطنية العالية التي تقدّم مصلحة الشعب والبلاد على مصلحة الأشخاص والأحزاب، فالتشغيل وارتفاع الأسعار وقفة المواطن وانهيار الدينار وملف الاٍرهاب وإيقاف العنف وبسط هيمنة الدولة وسلطتها تشكل كلها رهانات صعبة وحقيقية ليس بالهيّن تحقيقها ما لم تتوفر الإرادة السياسية الصادقة وما لم يتم التعامل معها بوعي وحكمة ومسؤولية، وهو ما غاب عن أغلب السياسيين التونسيين الذين تدافعوا وتكالبوا على السلطة والكراسي وتناسوا هموم ومشاكل الشعب وحاجاته وانتظاراته، والأمل كل الأمل أن يرتقوا اليوم إلى حجم الأمانة ويشعروا فعلا بثقل وصعوبة المسؤولية.
شخصيا أرجو وأتمنى أن يبتعد السياسيون ولو قليلا عن الكلام وعن المنابر الإذاعية والتلفزية بعد أن استحوذوا عليها زهاء 3 سنوات أو أكثر حتّى ملّ منهم الناس، أرجو وأتمنى أن ينصرفوا إلى العمل ويعوّضوا الكلام بالأفعال لبناء الدولة وانقاذ البلاد وإعادة الطمأنينة للناس وتوفير المناخ المناسب لجلب المستثمرين الأجانب واستعادة السياح الذين فقدناهم وإعادة الروح إلى حياة التونسيين الذين كانوا ولازالوا خائفين من المستقبل المجهول وما تخفيه لهم الأيام القادمة..
قدرنا كتونسيين أن نتعايش مع بعضنا البعض ديمقراطيين وعلمانيين وإسلاميين ويساريين وشيوعيين.. تجمعنا كلنا راية واحدة مهما اختلفت الايديولوجيات والحساسيات والرّؤى والأفكار والتصوّرات، يجب أن تجمعنا تونس الاعتدال والوسطية، تونس التكافل والتضامن والتآخي والتحابب، تونس 3 آلاف سنة حضارة، تونس حنبعل وعليسة وابن خلدون وأبو القاسم الشابي وفرحات حشاد وبورقيبة والطاهر الحداد وبشيرة بن مراد ..
لذلك يحتاج الواقع التونسي اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى التعايش والتسامح والتضامن مثلما يحتاج أيضا الى العلم و المعرفة من اجل ازالة وتغيير العقليات التي غرسها الجهل و عمقتها الخطابات التحريضية والتكفيرية وما خلفته من تداعيات خطيرة على فكر و عقلية الفرد التونسي وهذا يحتاج -دون شك- الى جهد ووقت لتغيير ما يجب أن يتغير وتحسين ما يستوجب التحسين، حتّى تخرج بعض العقليات من الظلم والجهل والعنف والتطرف إلى النور والمفاهيم الانسانية السامية، و هذا ما يحتاج الى وحدة وطنية واليات وبرامج وخطط ووسائل وامكانيات مادية وعقليات بشرية تقدمية تؤمن بالاختلاف والتعددية ولها القدرة على إدارة الحياة السياسية الاقتصادية والإجتماعية والثقافية وحتّى الرياضية.

بقلم : عادل بوهلال